"المانوسفير".. عندما تتحول كراهية النساء إلى ثقافة رقمية تخترق وعي الشباب
"المانوسفير".. عندما تتحول كراهية النساء إلى ثقافة رقمية تخترق وعي الشباب
لم تعد كراهية النساء ظاهرة هامشية أو همسات خافتة في الزوايا المظلمة من الإنترنت، بل تحولت اليوم إلى منظومة أيديولوجية منظمة تخترق بمهارة منصات التواصل الاجتماعي، لتقدم نفسها كحقائق حياتية أو نصائح ذكورية "تقليدية"، لكنها في جوهرها سامة وعدائية تجاه النساء.
داخل ما يُعرف بـ"المانوسفير" (Manosphere) -وهو مصطلح يطلق على الشبكات الرقمية التي تضم رجالًا يرفضون المساواة بين الجنسين- تتكثف هذه الخطابات في بوتقة تحرض على استعادة "سلطة الرجل" المفقودة، وغالبًا ما يلتقي بها المستخدمون الشباب مصادفة عبر الخوارزميات، دون دراية بخطورة ما يستهلكونه، بحسب ما ذكر موقع "دويتشه فيله"، الألماني، اليوم الاثنين.
يمتد طيف محتوى "المانوسفير" من نصائح للمواعدة المتلاعبة إلى دعوات سياسية لتقليص مكاسب النساء الاجتماعية، وصولًا إلى تحقير النساء بشكل صريح. ما يجمع هذه الخطابات هو رفض المساواة الجندرية ومهاجمة الحركة النسوية بوصفها تهديدًا للرجولة التقليدية.
وقالت الكاتبة الألمانية تارا لويزه فيتفير، صاحبة كتاب "بنات الأعداء"، إن هذا العالم يقدم نفسه كمنبر للقيم الطبيعية، لكنه في الحقيقة يشرعن القمع.
وأضافت: "يدّعي هؤلاء أنهم ضحايا لحركة تحرر النساء، ويصورون أنفسهم على أنهم يحاولون استعادة التوازن، في حين أنهم في الواقع يهاجمون استقلال النساء وحقهن في تقرير مصيرهن".
المرأة المستقلة تثير الذعر
أحد المفاهيم المحورية في هذه المجتمعات الرقمية هو أن المرأة يجب ألا تكون صاحبة قرار، بل "مختارة" من الرجل، لكن الواقع المعاصر يتحدى هذه النظرة، فـالنساء اليوم يخترن شركاءهن أو يقررن البقاء دون شريك، أو حتى العيش باستقلال تام مع قططهن، كما تقول تارا ساخرة، وهو ما يُشعل غضبًا رجاليًا حارقًا في هذه المجتمعات.
وتابعت: “المشكلة ليست فقط في رفضهم المساواة، بل في رغبتهم النشطة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إنهم يحنّون إلى بنية اجتماعية فقدت صلاحيتها، ويسعون لإقناع الآخرين -خاصة الشباب- بأن هذه البنية هي السبيل الحقيقي للنجاة من الفوضى الاجتماعية”.
يذهب بعض هؤلاء إلى استخدام الدين أو البيولوجيا لتبرير التمييز. يظهر ذلك بوضوح في سرديات "المسيحية المحافظة" المنتشرة في الغرب، أو عبر حجج تقول إن "المرأة بطبيعتها أقل شأنًا"، و"ليس لها إلا دور الأم أو الزوجة".
ويُروَّج لهذا الخطاب بين النساء أيضًا، عبر مؤثرات يُعرفن بوسم #اجعله_شطيرة (#MakeHimASandwich)، حيث تتبنى بعض النساء طوعًا أدوارًا تقليدية، وتروج لهذا النمط بوصفه "الخيار الأفضل والطبيعي"، بل ويُهاجمن النسويات ويصفنهن بـ"المريضات نفسيًا".
لكن تارا تؤكد: “المشكلة لا تكمن في ربة المنزل التي اختارت ذلك بحرية، بل في تحويل هذا الخيار إلى قاعدة وحيدة، ووصم من يخالفه بالانحراف أو المرض. هنا تتحول الحرية إلى قيد جديد، والاختيار إلى إجبار غير مباشر”.
خطاب مسموم بمظهر عصري
يحمل مؤثرو "المانوسفير" ميكروفوناتهم، ويجلسون أمام كاميرات احترافية، ويتحدثون في حلقات بودكاست جذابة، يمزجون بين الفكاهة والإقناع، ليُدخلوا الشباب إلى عالمهم دون مقاومة. يقدمون أنفسهم كأخوة في "نادي الرجال"، وينصبون أنفسهم كمرشدين لعالم يعج بـ"النساء المتسلطات".
وتُحذر تارا من هذا الشكل قائلة: "إنه تسويق للكراهية بشكل براق. ما يُعرض كـ'أسلوب حياة رجولي' هو في الحقيقة أدلجة تحقيرية تُغذي الكراهية ضد النساء".
وأصبحت منصات مثل تيك توك ويوتيوب الحاضنة الأبرز لهذه الظاهرة، حيث ينتشر خطاب "المانوسفير" كالنار في الهشيم بين المراهقين والشباب.
وبفضل خوارزميات موجهة لزيادة التفاعل، يجد المستخدم نفسه غارقًا تدريجيًا في عالم موازٍ من الإحباط والعدوانية والتمييز الجندري.
ويعد المراهقون هم الفئة الأضعف أمام هذه الخطابات، فهم في طور تشكيل هويتهم وقيمهم، ما يجعلهم أهدافًا سهلة لخطابات الرجعية المتخفية في "نصائح للنجاح في الحياة".
صراعات داخل النسوية
ورغم دفاعها الصريح عن المساواة، تعرضت فيتفير لهجوم من تيارات نسوية راديكالية، لأنها لا تتبنى مواقف متطرفة مثل حركة "4B" في كوريا الجنوبية، التي تدعو إلى مقاطعة الزواج والعلاقات مع الرجال.
وأوضحت تارا: “أنا أؤمن بالاختيار. لا أريد إقصاء الرجال من حياتي. النساء والرجال ليسوا متماثلين، لكنهم متساوون في الحقوق، وهذا هو جوهر القضية”.
وقالت إن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في وجود هذه الجماعات، بل في اتساع جمهورها واتساع رقعة تأثيرها، حيث يواصل "المانوسفير" ترسيخ نمط سلوك سام يدعي أنه يقدم إجابات للرجال التائهين في عالم حديث.